جنود الله".. هو الاسم الذي أطلقه الفنان أحمد بركات على مشروعه الرامي إلى تقديم شخصيات بارزة في التاريخ الإسلامي في قصص مصورة من خلال فن الكومكس (فن الرسوم المصورة).
ويسعى الفنان بركات -المدرس المساعد بكلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية في مصر- من خلال هذا اللون من الفنون إلى تعريف أكبر قدر من النشء ببطولات وإنجازات شخصيات مثل: بلال بن رباح، وخالد بن الوليد، وأسامة بن زيد، وصلاح الدين الأيوبي، لتنافس شخصيات الكومكس الغربية الشهيرة، مثل الرجل العنكبوت (سبيدرمان)، والرجل الخارق (سوبرمان).
وفي مقابلة مع إسلام أون لاين.نت أوضح بركات أن مشروعه يقوم على عرض هذه الشخصيات على خلفية مصورة ذات طراز عربي متمثل في الخطوط الإسلامية القديمة والتي نفذها بطريقتين: الأولى الصورة الملونة بألوان زاهية، والثانية لون واحد بدرجاته أو ما يطلق عليه (المونوكروم).
وبالرغم من أن المشروع لم يحظ حتى الآن بدعم حقيقي من جهة نشر أو إنتاج فإن صاحبه يسعى لتطبيق فكرته وتقديم شخصيات إسلامية كنماذج منافسة لشخصيات الكومكس الغربية.
وفيما يلي نص المقابلة:
* في البداية من أين جاءتك فكرة كومكس "جنود الله"؟
- جاءتني فكرة المشروع عام 2003، وكان من أهم الأسباب التي دفعتني إليها هو ما لاحظته في الجزء الأول من الفيلم الأمريكي "سبيدرمان" والذي تم إعادة صياغته بشكل ومضمون جديد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث ظهرت شخصية سبيدرمان كرمز للولايات المتحدة (ألوان ملابسه تتكون من نفس ألوان العلم الأمريكي)؛ من هنا بدأت البحث في القيم التي تحملها أعمال الكومكس والتي تحمل مضمونا سياسيا بشكل غير مباشر، ووجدت أن معظم الأفكار التي حملتها أعمال الكومكس الغربية تعتمد على الإبهار أكثر من الأفكار المنطقية؛ وهو ما حقق لها الانتشار الواسع فأصبحت تطبع على الملابس والملصقات وتصمم ألعابا للأطفال.
من هنا التفت إلى شخصيات الأبطال في التاريخ الإسلامي والتي لم تأخذ حقها بشكل صحيح في الأعمال الإبداعية، وتساءلت ما الذي يجعلنا نعتمد على شخصيات غربية تحمل قيم الغرب وأفكاره فيما نمتلك نحن في التاريخ الإسلامي العديد من شخصيات الأبطال والفرسان؟! لذلك بدأت بناء على القصص المصورة الغربية أرسم قصصًا بشخصيات عربية تحكي مواقف من التاريخ بنفس جودة الألوان والرسوم الجذابة إلى أن كونت موسوعة مصورة وأطلقت عليها "جنود الله".
شاهد:
جاليري صور "جنود الله"
* وما طبيعة العقبات التي واجهتك عندما بدأت في طرح الفكرة؟
- الكثير هاجمني واتهمني بالسرقة والنفاق، والبعض قال لي إن الله ليس بحاجة إلى جنود، كما انتقدوا تصويري للصحابة رضوان الله عليهم بالرسم على الرغم من أنني سألت قبل شروعي في رسم شخصيات عملي الكثير من أهل الدين والإفتاء فقالوا لي إنه لا يجوز رسم بيت النبي والعشرة المبشرين بالجنة والأنبياء فقط.
كما أن هناك أيضا من قال لي إن الرسم في الأساس حرام، ولكن لو قدر لمشروعي الخروج في شكل مسلسل رسوم متحركة بالتأكيد فسيمر على الكثير من الجهات الرقابية المختصة ويراجع من قِبَل الأزهر قبل السماح بعرضه.
* هل توجهت إلى جهات معينة لتدعم فكرتك وتمول إنتاجها؟
- بالفعل ذهبت إلى العديد من شركات الإنتاج، ولكن لم تحدث أي استجابة، في حين ركزت دور النشر التي توجهت إليها على سعر الرسومات وتكاليف الطباعة، كذلك توجهت إلى جهات حكومية ثقافية إلا أنها لم تعط الموضوع أي اهتمام، ولكن بعدما نشرت إحدى الصحف عن فكرتي بدأت بعض شركات الإنتاج التي توجهت إليها من قبل تبحث عني ولكنني رفضت التعاون معهم؛ لأنني شعرت أن الأمر بالنسبة إليهم ربحي فقط وهو ما يتعارض مع المشروع لكونه ثقافيا وتعليميا، إلى أن حدثني هاتفيا ياسر جعيصة رئيس تحرير مجلة "نونة" للأطفال، وطلب مني المشاركة معهم برسوماتي في المجلة التي تحمل توجها دينيا وتهتم بشخصيات التاريخ الإسلامي وبالفعل كانت البداية معهم برواية صلاح الدين الأيوبي كاملة.
* ما الشخصيات الإسلامية التي ركزت عليها في مشروعك؟
- تناولت أسامة بن زيد وخالد بن الوليد وموقفه في غزوة مؤتة؛ وحمزة بن عبد المطلب، وبلال بن رباح، وصلاح الدين الأيوبي، وقد كتبت عنه رواية كاملة.
* لماذا شخصيات الفرسان والمحاربين تحديدا؟
- فكرة الفارس بالنسبة لي ليست فقط المحارب الذي يحمل سيفه، بل هو أيضا الذي يعلم جيدا ما يريد، وكيف ينفذ ما ينفع به مجتمعه ودينه، فكانت أهم فكرة لدي هي الرسالة التي يمكن أن أقدمها للطفل من خلال الشخصيات التي أختارها؛ فعلى سبيل المثال قدمت أسامة بن زيد الذي يعتبر قدوة في الجهاد، حيث كان عمره خمسة عشر عاما عندما بدأ خوض الحروب والمعارك من أجل نصرة الإسلام، وبلال بن رباح نموذجا للجهاد بصوته، وسيدنا حمزة الذي دافع عن الرسول الكريم من قبل أن يشهر إسلامه؛ من هنا أخذت بعض المواقف لتلك الشخصيات حتى نحاكي بها الواقع الذي نعيشه.
* وماذا عن الشخصيات النسائية بالتاريخ الإسلامي في مشروعك؟
- فكرت في بعض الشخصيات النسائية، ولكن لم تنفذ بعد فلدي شخصية الشيماء التي كانت تحارب بصوتها، وكذلك جهاد بنت الملك التي بيعت في سوق الجواري، ثم ساعدت أخاها فيما بعد ليسترد الحكم، فأنا أولا أنتقي الشخصية، ثم أركز على موقف وشكل معين لها لإعطاء المضمون والهدف المفيد للطفل، وأقدمها أيضا للآباء؛ لأن مدى استيعابهم لها سيساعد الأطفال أيضا على إدراكها والاستفادة من تلك القصص المصورة.
* أتجد أنه من الأفضل لمشروعك أن يخرج في هيئة فيلم رسوم متحركة أم مسلسل؟
- المسلسلات الكارتونية أفضل للطفل؛ لأنها تخاطبه بشكل دوري يوميا وتعرض عليه قصصًا متتالية، بالإضافة إلى أن شهرتها أكبر ويتم إذاعتها باستمرار عكس الأفلام التي ترتبط بدور العرض وموسم معين ويتم عرضها لفترة محدودة، بالإضافة إلى أن أفلام الرسوم المتحركة لا تحظى في مصر بالإقبال الكبير مثل ما يحدث في أوروبا وأمريكا.
* أتعتقد أن الطفل العربي يمكن أن ينجذب للشخصيات الإسلامية التي تقدمها بقدر انجذابه لشخصيات الأبطال الغربية التي اعتاد عليها؟
- أعتقد أنه سينجذب إليها إذا قدمت له بالشكل الجذاب الممتع الذي يضاهي قريناتها الغربية فالطفل تربى ونشأ على شخصيات الكومكس الغربي؛ لأنه لم يجد بديلا عنها.
* هل أضفت بعض الصفات الأسطورية والخيالية على شخصيات عملك؟
- أضفت بعض الصفات الأسطورية، وكان من الضروري ذلك لجذب انتباه الطفل، فهناك قوة البدن بديلا عن قوة الإيمان فالطفل لن يستوعب قوة الإيمان في البداية فلابد أن أجذبه أولا بقوة الجسم التي تضاهي الشخصيات الأخرى التي اعتاد مشاهدتها؛ لذلك كان من الضروري إضافة بعض الزوايا الأسطورية والإبهار في الرسومات والقصص وأن ترسم الشخصيات بجودة وكفاءة في التصميم والألوان لتحقيق ذلك، ومن ثم نمرر للطفل قيما تتضمن قوة الإيمان وحسن الخلق وغيرها من الأفكار التربوية التي تفيده.
* وبالنسبة للوقائع هل ستكتفي بذكر ما هو تاريخي وموثق فقط؟ أم ستضع هذه الشخصيات في مواقف متخيلة؟
- من الممكن أن أضع قصصا أخرى، ولكن لأبطال ليسوا شخصيات تاريخية؛ إذ لا أستطيع التلاعب بالأحداث التاريخية، ولكن لي الحق في اختيار بعض المواقف عن غيرها ووضع الأحداث في قالب جذاب وبالتأكيد هناك معالجة روائية ودرامية للأحداث.
* ما هي المراجع التاريخية التي استعنت بها لمعرفة صفات وسمات الشخصيات التي تناولتها؟
- رجعت للعديد من الكتب مثل كتاب "رجال حول الرسول"؛ وكتاب "أصحاب الرسول"؛ وكتاب "فتوحات الشام"، وهناك أيضا كتاب تأريخي عن صلاح الدين الأيوبي الصادر عن إحدى دور النشر البريطانية، كما تابعت الأعمال الدرامية وأعمال الرسوم المتحركة التي تناولت من قبل الشخصيات التي عملت عليها.
* وهل قمت بكتابة السيناريو الخاص بقصصك؟ أم أنك استعنت بسيناريست متخصص؟
- كتبت السيناريو بنفسي، ولم أستعن بأحد في كتابته حتى رئيس تحرير مجلة نونة والذي تعاقد معي على نشر رواية صلاح الدين أكد علي أن أقوم بنفسي بالكتابة حتى تسير القصة في نفس السياق الذي رسمته في خيالي لها.
* أنشأت مجموعة على الفيس بوك تحمل اسم "كومكس جنود الله".. هل ساهمت في نشر الفكرة واختبار جماهيريتها؟
- فوجئت بالإقبال على المجموعة بشكل لم أكن أتوقعه من متصفحي الإنترنت وأعضاء الفيس بوك حتى إن رسائل من الولايات المتحدة وصلتني يطلب فيها البعض مني نُسخًا من القصص والرسوم التي قمت بإعدادها كي يطبعوها هناك، كما قام أحد الطلاب بتكوين مجموعة على الفيس بوك باسم "ادعموا قصص جنود الله" وحظيت بانضمام الكثير من مؤيدي الفكرة وهو ما شجعني كثيرا على الاستمرار فيها.
* كتبت في بعض رسوماتك "إنهم عائدون" ماذا تعني بذلك؟
- نحن الآن في أشد الاحتياج إلى نصرة الله ورسوله، ونصرة الأخلاق الكريمة والرحمة بين الناس، والشخصيات التي أركز عليها كانت أكبر النماذج على هذه القيم التي أصبح نادرا وجودها الآن؛ لذلك كتبت أنهم عائدون كتعبير عن احتياجنا إلى عودة مثل هذه الشخصيات.
* أتتوقع أن ينجح مشروعك وسط هذا الكم الكبير الذي يعرض في الفترة الأخيرة من أفلام ومسلسلات الرسوم المتحركة؟
- أتوقع نجاحه إذا تم العمل عليه بضمير وإيمان من القائمين على إنتاجه دون التفكير في الربح المادي، وإذا أخذ حقه من الوقت وتكاليف الإنتاج وتصميم الرسومات بالجودة التي تستحقها.
الأربعاء 16 سبتمبر - 13:17