الوقفةالأولى: رمضان نعمةٌ يجب أن تشكر
أختاه ! إن شهر رمضان من أعظم نعم الله تعالى على عباده المؤمنين، فهو شهر تتنزل فيه الرحمات، وتغفر فيه الذنوب والسيئات، وتضاعف فيه الأجور والدرجات، ويعتق الله فيه عباده من النيران، قال النبي : { إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسُلْسِلت الشياطين } [متفق عليه].
وقال : { من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [متفق عليه].
وقال تعالى في الحديث القدسي: { كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به } [متفق عليه].
وقال : { إن لله في كل يوم وليلة عتقاء من النار في شهر رمضان، وإن لكل مسلم دعوة يدعو بها، فيستجاب له } [رواه أحمد بسند صحيح]. وفيه ليلة القدر، قال تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ [ القدر:3].
فيا أختي المسلمة، هذه بعض فضائل هذا الشهر الكريم، وهي تبين عظم نعمة الله تعالى عليك بأن آثرك على غيرك وهيأك لصيامه وقيامه، فكم من الناس صاموا معنا رمضان الغابر، وهم الآن بين أطباق الثرى مجندلين في قبورهم.. فاشكري الله - أختي المسلمة - على هذه النعمة، ولا تقابليها بالمعاصي والسيئات فتزول وتنمحي ولقد أحسن القائل:
إذا كنت في نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعــم
وحُطْها بطاعة رب العبــاد *** فربُّ العباد ســـريع النِّقم
الوقفة الثانية: كيف تستقبلين رمضان؟!
1 - بالمبادرة إلى التوبة الصادقة كما قال سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
2 - بالتخلص من جميع المنكرات من كذب وغيبة ونميمة وفحش وغناء وتبرح واختلاط وغير ذلك.
3 - بعقد العزم الصادق والهمة العالية على تعمير رمضان بالأعمال الصالحة، وعدم تضييع أوقاته الشريفة فيما لا يفيد.
4 - بكثرة الذكر والدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن.
5 - بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، وتأديتها بتؤدة وطمأنينة وخشوع.
6 - بالمحافظة على النوافل يعد إتيان الفرائض.
الوقفة الثالثة: تعلمي أحكام الصيام
يجب على المسلمة أن تتعلم أحكام الصيام، فرائضه وسننه وآدابه، حتى يصح صومها ويكون مقبولاً عند الله تعالى: وهذه نبذة يسيرة في أحكام صيام المرأة:
1 - يجب الصيام على كل مسلمة بالغة عاقلة مقيمة ( غير مسافرة ) قادرة ( غير مريضة ) سالمة من الموانع كالحيض والنفاس.
2 - إذا بلغت الفتاة أثناء النهار لزمها الإمساك بقية اليوم، لأنها صارت من أهل الوجوب، ولا يلزمها قضاء ما فات من الشهر، لأنها لم تكن من أهل الوجوب.
3 - تشترط النية في صوم الفرض، وكذا كل صوم واجب، كالقضاء والكفارة لحديث: { لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل } [رواه أبو داود]، فإذا نويت الصيام في أي جزء من أجزاء الليل ولو قبل الفجر بلحظة صح الصيام.
4 - مفسدات الصوم سبعة:
أ - الجماع.
ب - إنزال المني بمباشرة أو ضم أو تقبيل.
ج - الأكل والشـــرب.
د - ما كان بمعنى الأكل والشرب كالإبرة المغذية.
هـ - إخراج الدم بالحجامة و الفصد.
و - التقيؤ عمداً.
ز - خروج دم الحيض أو النفاس.
5 - الحائض إذا رأت القصة البيضاء - وهو سائل أبيض يدفعه الرحم بعد انتهاء الحيض - التي تعرف بها المرأة أنها قد طهرت، تنوي الصيام الليل وتصوم، وإن لم يكن لها طهر تعرفه احتشت بقطن ونحوه، فإذا خرج نظيفاً صامت وإن رجع دم الحيض أفطرت.
6 - الأفضل للحائض أن تبقى على طبيعتها، وترضى بما كتبه الله عليها، ولا تتعاطى ما تمنع به الحيض، فإنه شيء كتبه الله على بنات آدم.
7 - إذا طهرت النفـساء قبل الأربعين، صامت واغتسلت للصلاة، وإذا تجاوزت الأربعين نوت الصيام واغتسلت، وتعتبر ما استمر استحاضة، إلا إذا وافق وقت حيضها المعتاد فهو حينئذٍ حيض.
8 - دم الاستحاضة لا يؤثر في صحة الصيام.
9 - الراجح قياس الحامل والمرضع على المريض، فيجوز لهما الإفطار، وليس عليهما إلا القضاء، لقول النبي :{ إن لله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم } [رواه الترمذي وقال: حسن].
10 - لا بأس للصائمة بتذوق الطعام للحاجة، ولكن لا تبتلع شيئاً منه، بل تمجُّه وتخرجه من فيها، ولا يفسد بذلك صومها.
11 - يستحب تعجيل الفطر قبل صلاة المغرب، وتأخير السحور، قال : { لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر } [متفق عليه].
الوقفة الرابعة: رمضان شهر الصيام لا شهر الطعام
أختي المسلمة: فرض الله صيام رمضان ليتعود المسلم على الصبر وقوة التحمل، حتى يكون ضابطاً لنفسه، قامعاً لشهوته، متقياً لربه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].
وقد سئل بعض السلف: لمَ شُرع الصيام ؟ فقال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الفقير !!
وإن مما يبعث على الأسف ما نراه من إسراف كثير من الناس في الطعام والشراب في هذا الشهر، حيث إن كميات الأطعمة التي تستخدمها كل أسرة في رمضان أكثر منها في أي شهر من شهور السنة !! إلا من رحم الله. وكذلك فإن المرأة تقضي معظم ساعات النهار داخل المطبخ لإعداد ألوان الأطعمة وأصناف المشروبات !!
فمتى تقرأ هذه القرآن ؟
ومتى تذكر الله وتتوجه إليه بالدعاء والاستغفار؟
ومتى تتعلم أحكام الصيام وآداب القيام ؟
ومتى تتفرغ لطاعة الله عز وجل ؟
فاحذري - أختاه - من تضيع أوقات هذا الشهر في غير طاعة الله وعبادته، فقد خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له، قال النبي : { ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه،فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه } [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
الوقفة الخامسة: رمضان شهر القرآن
لشهر رمضان خصوصية بالقرآن ليست لباقي الشهور، قال الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]. فرمضان والقرآن متلازمان، إذا ذكر رمضان ذكر القرآن، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: { كان النبي أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة } في هذا الحديث دليل على استحباب تلاوة القرآن ودراسته في رمضان، واستحباب ذلك ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً [المزمل:6]، وكان السلف يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان، وكان بعضهم يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في سبع، ويعضهم في كل عشر، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة.
وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: ( فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام ).
وقال ابن عبد الحكم: ( كان مالك إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف ).
وقال عبد الرزاق: ( كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن ).
وأنت - أختي المسلمة - ينبغي أن يكون لك وِرْد من تلاوة القرآن، يحيا به قلبك، وتزكو به نفسك، وتخشع له جوارحك، وبذلك تستحقين شفاعة القرآن يوم القيامة. قال النبي : { الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال: فيُشفَّعان } [رواه أحمد والحاكم بسند صحيح].